القاهرة تغامر بالتوسع في إتاحة الدولار للمستوردين

الاستعانة بأموال رأس الحكمة لتوفير العملة الصعبة للسلع الكمالية.

تراهن الحكومة المصرية على إتاحة الدولار للسلع غير الأساسية بالأموال المتدفقة من مشروع رأس الحكمة لعدم السماح بعودة السوق الموازية للعملات الأجنبية مرة أخرى، وسط حرص من السلطات على رسم صورة إيجابية للاقتصاد المصري أمام المؤسسات الدولية.

القاهرة - دخلت القاهرة ما يمكن وصفه بـ"المغامرة" لتوفير وإتاحة الدولار للمستوردين بعد إعلان بنوك حكومية توفير الدولار للسلع غير الأساسية، وفق تصنيف السلطات، مثل الهواتف المحمولة والسيارات والسلع تامة الصنع، بدءًا من شهر يونيو المقبل.

وكشف مسؤول بأحد المصارف الحكومية في تصريح خاص لـ”العرب” عن أن البنوك بدأت في مخاطبة المستوردين للتقدم مسبقًا بطلبات فتح اعتمادات مستندية للبضائع غير الأساسية، الموجودة في الجمارك لبدء التعاقد عليها والتوريد، حيث يستغرق ذلك فترة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر.

يأتي ذلك في إطار حرص السلطات على الإفراج عن الواردات من الجمارك بشكل مستمر، إذ أفرجت الحكومة عن بضائع بقيمة 20 مليار دولار عبر موانئ البلاد منذ بداية العام الجاري، وخففت من حجم التكدس بها بعد فترة من الركود.

وانشغلت الحكومة الفترة الماضية بإيجاد وسائل لتوفير العملة الصعبة لاستيراد السلع الأساسية ومستلزمات التشغيل والخامات والأدوية بالتنسيق مع البنك المركزي المصري الذي يضخ السيولة في شرايين البنوك.

ومع نجاح السلطات النقدية في القضاء على السوق الموازية (السوداء) للعملة، وجذب الدولار إلى القنوات الرسمية، بات لزامًا عليها المحافظة على ذلك عبر إتاحة العملة الأجنبية للقطاعات الأخرى المسموح لها بالاستيراد.

وتمثل هذه الخطوة تأكيدًا من القاهرة للمؤسسات الدولية على توفير الدولار لمختلف المجالات وعبر تفعيل آلية سعر الصرف المرن الذي يخضع للعرض والطلب.

وتراهن السلطات المصرية على الشفافية في هذه الخطوة - المغامرة، والتي تبرز في تحديد قيمة العملة وفقًا لآليات السوق، ما يعزز من فرص تلقي التمويل من مؤسسات دولية مختلفة، على رأسها صندوق النقد الدولي الذي يتساهل في منح التمويلات للدول حال فعّلت سعر صرف مرن بالأسواق.

ويمكن تفسير هذه الخطوة بأنها جاءت نتيجة مساعي البنك المركزي لتحقيق التوازن في سوق الصرف لتوفير العملة الأجنبية للعديد من السلع التي يستخدمها الأفراد.

وحال عدم تفعيل هذه الخطوة، سوف يفتح الباب أمام اللجوء إلى السوق الموازية للعملة وعودتها للنشاط مرة أخرى، ومن ثم ينتفي أثر قرارات الإصلاح الاقتصادي التي نفذتها البلاد في مارس الماضي.

قال مدير مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية خالد الشافعي إن الخطوة الراهنة مهمة للغاية بعد انتهاء البنك المركزي المصري من توفير الدولار للسلع الأساسية ونجاحه في الإفراج عن البضائع المكدسة في الموانئ.

وأضاف في تصريح لـ"العرب" أن هذا التحرك يأتي لمواجهة التضخم في الأسواق، حيث يعزز توفير الدولار للسلع غير الأساسية، لكنها أساسية في الحقيقة لحاجة الأفراد لها بشكل يومي، وعدم خنق السوق ومنح السلع انسيابية وسهولة في التداول.

تكمن المخاوف من الإجراء الحالي للسلطات النقدية في أنه ربما يستنزف ما لدى المصارف من عملات صعبة، كما أن هذه السلع المزمع استيرادها لا تدر سيولة أجنبية، وربما تعد سببا أساسيا في تراجعها. ويرى محللون أن مصر تراهن على شراء البنك المركزي المصري لنحو 15 مليار دولار من قيمة صفقة رأس الحكمة من هيئة المجتمعات العمرانية في البلاد.

وكشف صندوق النقد الدولي عن أن البنك المركزي المصري سيقوم بتوجيه 6 مليارات دولار من هذه الأموال لدعم القطاع المصرفي وتسهيل تسوية المتأخرات من النقد الأجنبي خلال يونيو المقبل.

وثمة خطة لدى مصر لزيادة الحصيلة الدولارية عبر زيادة الاستثمارات في القطاع الصناعي والحوافز التي توفرها لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتطوير الصناعة، وقد منحت السلطات العديد من الحوافز للمستثمرين الأجانب والمحليين لتوطين وتعميق الصناعة بمختلف المجالات.

وأكد الشافعي لـ"العرب" أنه لا مخاوف من الخطة الحالية للحكومة، إذ تعلمت الدروس من الماضي بدليل استمرار التدفقات الدولارية حتى الوقت الراهن بالخطط التي تنفذها البلاد من طرح السندات وأذون الخزانة والتمويلات من صندوق النقد والبنك الدولييْن والاتحاد الأوروبي.

وستتلقى القاهرة دفعة جديدة من برنامج صندوق النقد الدولي عقب مراجعة قرض في يونيو المقبل بقيمة 820 مليون دولار، بخلاف التي ما تلقته في أبريل الماضي.

ويناقش الصندوق تمويلًا طويل الأمد بتكلفة منخفضة لمشروعات المناخ بقيمة 1.2 مليار دولار تخطط مصر لطلبه من مرفق الصلابة والاستدامة التابع لصندوق النقد. وأوضح الأمين العام لجمعية مستثمري العاشر من رمضان أيمن رضا أن مصر لديها الأمان بشأن وفرة العملة الأجنبية حاليا طالما تحافظ على سعر صرف مرن بالأسواق.

ويتوقع صندوق النقد حدوث انتعاش تدريجي واستقرار للاقتصاد المصري، على افتراض استمرار الالتزام بسياسات الإصلاح. ومن المتوقع أن ينتعش النمو بشكل متواضع على المدى القصير، مدفوعا بزيادة نشاط القطاع الخاص مع ترسيخ الإصلاحات الهيكلية، وتحقيق الاستثمارات العامة لعوائد.

وذكر رضا في تصريح لـ"العرب" أن تعدد القنوات التي تعتمد عليها مصر لجذب العملة الأجنبية ضرورة كي تستطيع الاستمرار في توفير العملة للسلع الأساسية وغيرها وتحقيق النمو المستدام، وحماية الاحتياطي من النقد الأجنبي.

وسوف يتعزز النمو بشكل أكبر على المستوى المتوسط مع تزايد وضوح فوائد الإصلاحات في مصر، مثل تحسين بيئات الأعمال، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص، بحسب صندوق النقد الدولي.

وكشف البنك المركزي المصري عن ارتفاع حجم صافي الاحتياطيات الدولية بمقدار 5 مليارات دولار مع نهاية مارس الماضي ليصل إلى 40.4 مليار دولار مقابل 35.3 مليار دولار بنهاية فبراير السابق عليه.

وأكد رضا أنه مع خطة السلطات النقدية الحالية ينبغي أن تتبع البلاد سياسات اقتصادية مرنة من شأنها أن تعزز التدفق الدائم للعملة الأجنبية، كتنويع قاعدة الصادرات وتطوير القطاعات الأقل حساسية للتقلبات الاقتصادية العالمية مثل الصناعة، من دون التركيز على السياحة أو الزراعة فقط.

وحال نجاح مصر في الحفاظ على اتباع سياسات الإصلاح، من تطبيق سعر صرف مرن وغيرها، سوف يترتب عن ذلك عبور مراجعات صندوق النقد، ما يسمح بتلقي شريحة تمويل بقيمة 1.3 مليار دولار كل ستة أشهر لحين انتهاء البرنامج في خريف عام 2026.

Provided by SyndiGate Media Inc. (Syndigate.info).

2024-05-08T02:02:05Z dg43tfdfdgfd